Forum - اصحاب الاعراف وجسر اينشتين تعال لترى المدهش!! partie 2

اصحاب الاعراف وجسر اينشتين تعال لترى المدهش!! partie 2

الدليل على طرح الكون مرة أخرى:
قبل استنباط الدليل على ذلك، نذكر القارئ العزيز بحديثنا السابق، إن الله عز وجل كان قد أزلف الجنة للمؤمنين ليدخلوها. والسؤال الآن، هل ستزول القنطرة بعد اداء وظيفتها؟ بمعنى آخر هل سيعيد الله الجنان إلى وضعها الطبيعي؟ الإجابة نعم! وهذا ما توضحه تكملة الآية حين يقول عز وجل: ( فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51). فما المقصود بقوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ)؟ وما معنى النسيان في اللغة والمعاجم؟ جاء في معجم مقاييس اللغة: (نسي: النون والسين والياء أصلانِ صحيحان: يدلُّ أحدهما على إغفال الشيء، والثاني على تَرْك شيء.فالأوّل نسِيتُ الشَّيءَ، إذا لم تذكُره، نِسياناً. وممكنٌ أن يكونَ النِّسْيُ منه. والنِّسْيُ ما سَقَط من منازل المرتحلين، من رُذَال أمتعتهم فيقولون: تتبَّعوا أنساءَكم. قال الشَّنْفرى:
كأنَّ لها في الأرض نِسياً تقُصُّه على أمِّها وإنْ تكلِّمْك تَبْلَِتِ
وجاء في لسان العرب:
(وقوله عز وجل: نَسُوا اللهَ فنَسِيَهم؛ قال ثعلب: لا يَنْسى الله عز وجل، إنما معناه تركوا الله فتركهم، فلما كان النِّسْيان ضرباً من الترك وضعَه موضعه، وفي التهذيب: أَي تركوا أَمرَ الله فتركهم من رحمته. وقوله تعالى: فنَسِيتَها وكذلك اليومَ تُنْسَى؛ أَي ترَكْتَها فكذلك تُتْرَكُ في النار.) ثم قال: (والنِّسيانُ: الترك. وقوله عز وجل: ما نَنْسخ مِن آية أَو نُنْسها؛ أَي نأْمُركم بتركها.يقال: أَنْسَيْته أَي أَمَرْت بتركه. ونَسِيتُه تَرَكْتُه.).
والترك في اللغة كما جاء في لسان العرب: (التَّرْكُ: وَدْعُك الشيء، تَركه يَتْرُكه تَرْكاً واتَّرَكه. وتَرَكْتُ الشيءَ تَرْكاً: خليته.) أما في التفاسير فقد قال الإمام الرازي:
(قال: { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } وفي تفسير هذا النسيان قولان: القول الأول: أن النسيان هو الترك. والمعنى: نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، وهذا قول الحسن ومجاهد والسدي والأكثرين.) ( ) وجاء في تفسير الطبري: (وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله يجحدون، وهي حججه التي احتجّ بها عليهم من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك. يجحدون: يكذّبون ولا يصدّقون بشيء من ذلك) ( ).
ولا تقول للشئ نسيته إلا إذا تركت مكانه الذي نسيته فيه وغادرته، كما يقول تعالى في قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، قال تعالى:
(فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) [الكهف: ٦١ -٦٤].
فنسيا الحوت، بمعنى تركاه وغادرا المكان الذي نسياه فيه، ولن يتحقق معنى النسيان الفعلي إلا بعد مغادرة مكان النسي.
بهذا الفهم يكون نسيان الله للكافرين في النار وتركهم، بمعنى زحزحة الجنان إلى مكانها الطبيعي الذي أزلفت منه من قبل، وبالتعبير العلمي إعادة طرح المكان (Unfold) بعد حنيه أولاً. أو إزالة القنطرة وبإزالتها يكون قد ظهر بعد المسافة الحقيقي والطبيعي بين الجنة النار.
ثم يقول عز وجل:
(وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (53) وجاء في تفسير الرازي لهذه الآيات:
(قوله: كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا [الأعراف: 51] ثم بين تعالى أن هؤلاء الذين نسوا يوم القيامة يقولون: { قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ } والمراد أنهم أقروا بأن الذي جاءت به الرسل من ثبوت الحشر، والنشر، والبعث، والقيامة، والثواب، والعقاب، كل ذلك كان حقاً، وإنما أقروا بحقيقة هذه الأشياء لأنهم شاهدوها وعاينوها، وبين الله تعالى أنهم لما رأوا أنفسهم في العذاب قالوا: { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ }. والمعنى إنه لا طريق لنا إلى الخلاص مما نحن فيه من العذاب الشديد إلا أحد هذين الأمرين. وهو أن يشفع لنا شفيع فلأجل تلك الشفاعة يزول هذا العذاب أو يردنا الله تعالى إلى الدنيا حتى نعمل غير ما كنا نعمل يعني نوحد الله تعالى بدلاً عن الكفر ونطيعه بدلاً عن المعصية.) ( ).
وصدق الله حين يقول في ختام القصة (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). فقد رأينا حقاً كيف صدق القرآن العلم في هذه المشاهد بما يدعو للدهشة ولقد صدق الله حين يقول ({ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة 19] ونسال الله أن يكون هذا التصديق هدى للعلماء لكي يؤمنوا ورحمة لهم ينقذهم الله بها من عذابه.
السنة تبين المشهد:
وسؤالنا مرة أخرى هل انتهى المشهد؟ الإجابة لا! ثم ماذا بعد هذا؟ نقول إن الأحاديث النبوية صورت كل تلك المشاهد تصويراً حقيقياً كأنها تقع أمام ناظريك فهذا الرسول × لا يخرج من فيه إلا الحق. وكلا المصدرين القرآن والسنة يخرجان من مشكاة واحدة. وسترى في هذه الأحاديث الصحيحة كيف يتحاجّ المؤمنون عند ربهم ليلحق بهم إخوانهم الذين سقطوا في الصراط وسترى استجابة الله لهم واختياره لرجال منهم وهم أصحاب الأعراف لينقذوا من سقط في النار أثناء عبور الصراط.
روى الإمام البخاري و مسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري  قال رسول لله × (فبعد أن ذكر الشفاعة الكبرى في أول الحديث) قال: (ثم ‏ ‏يضرب ‏ ‏الجسر على جهنم ‏ ‏وتحل ‏ ‏الشفاعة ويقولون اللهم سلم، قيل يارسول الله وما الجسر، قال ‏ ‏دحض ‏ ‏مزلة فيه ‏ ‏خطاطيف ‏ ‏وكلاليب ‏ ‏وحسك ‏ ‏تكون ‏ ‏بنجد ‏ ‏فيها ‏ ‏شويكة يقال لها ‏ ‏السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير ‏ ‏وكأجاويد ‏ ‏الخيل ‏والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل ‏ ‏ومكدوس ‏ ‏في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في ‏ ‏استقصاء ‏ ‏الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيراً، ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها خيراً، وكان ‏ ‏أبو سعيد الخدري ‏ ‏يقول، إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم ({إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [النساء40] فيقول الله عز وجل، شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد ‏ ‏عادوا ‏ ‏حمماً،‏ ‏فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في ‏ ‏حميل ‏السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس ‏ ‏أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض، فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ‏ ‏ترعى بالبادية، قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً) ( ) صدق الصادق المصدوق × والحديث برواية مسلم.
وفي رواية إبن ماجه عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي × قال: (إذا خلّص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين في أخوانهم الذين أدخلوا النار. قال: يقولون ربنا إخوتنا كانوا (فذكر بمعناه يقولون: ربنا كانوا) يصومون معنا ويصلون ويحجون)( ).
وروى الإمام أحمد في مسنده ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏قال: ‏ قال رسول الله ‏ ‏×‏ ‏إذا ميز أهل الجنة وأهل النار فدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قامت الرسل فشفعوا فيقول انطلقوا ‏ ‏أو اذهبوا ‏ ‏فمن عرفتم فأخرجوه فيخرجونهم ‏ ‏ قد ‏ ‏امتحشوا ‏ ‏فيلقونهم في نهر ‏ ‏أو على نهر ‏ ‏يقال له الحياة قال فتسقط ‏ ‏محاشهم ‏ ‏على حافة النهر ويخرجون بيضا مثل ‏ ‏الثعارير ‏ ‏ثم يشفعون فيقول اذهبوا ‏ ‏أو انطلقوا ‏ ‏فمن وجدتم في قلبه ‏ ‏مثقال ‏ ‏قيراط ‏ ‏من إيمان فأخرجوهم قال فيخرجون بشراً ثم يشفعون فيقول اذهبوا ‏ ‏أو انطلقوا ‏ ‏فمن وجدتم في قلبه ‏ ‏مثقال ‏ ‏حبة من ‏ ‏خردلة ‏ ‏من إيمان فأخرجوه ثم يقول الله عز وجل ‏ ‏أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي قال فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه فيكتب في رقابهم عتقاء الله عز وجل ثم يدخلون الجنة فيسمون فيها الجهنميين) ( ).
فهذه الأحاديث ومعها حديث القنطرة ينبغي أن تكتب بمواد من ذهب فهي تتطابق تماماً مع آيات سورة الأعراف وتتطابق تماماً مع ما قاله العلماء عن الثقوب الدودية.
و أرجو منك عزيزي القارئ أن تتأمل قوله (ص) ‏ (فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة). فأفواه الجنة هنا تمثل فوهة خروج القنطرة وعلماء الفيزياء اليوم يسمونها أيضاً كما أوضحنا بالفوهة أو كلمة Mouthباللغة الإنجليزية وأنت هنا لا ترى أي فرق بين التعبيرين!،وكم يكون الباحث فرحاً أشد الفرح عندما يتوصل لنتيجة كهذه.والله أعلم.
الخلاصة:
باستصحاب هذه المصادر الثلاثة نفهم بما لا يدع مجالا للشك أن المؤمنين الذين يتحاجون عند الله في استقصاء الحق من المؤمنين الذين سقطوا في النار هم أصحاب الأعراف. وبذا يكون مجمل تفسير آيات الأعراف كالآتي:
إن المؤمنين يوم القيامة بعد انتهاء الحساب، يضرب لهم جسر جهنم وهو الصراط المستقيم. فيمرون عليه فالناجون الأوائل الذين أفلحوا في العبور يحبسون في قنطرة بين الجنة والنار لينزع الغل من صدورهم. ثم يتفرقون ويدخلون الجنة كل إلى داره.
وعندما يروا نعيم الجنة ويحسون بصدق وعد الله، يتفقد بعضهم بعضا فيعلمون أن بعضا من إخوانهم أو أهلهم أو ذويهم لم يدخل الجنة معهم! أين هم؟ لقد سقطوا في جهنم أثناء ملحمة عبور الصراط. فهل سيرتاح للمؤمنين الأوائل بال في الجنة؟ هل ستستمتع بالنعيم أخي المسلم، وأخوك أو أبوك أو أمك أو ابنك أو جارك أو صديقك، كان معك في الدنيا يصلى ويصوم ويحج ولم يدخل معك الجنة؟ لا والله لن يهدأ لك قرار ولن يرتاح لك بال، ما لم يلحقوا بك.
فما الحل ولمن الشكوى والملتجأ؟ إلى من يتحاجون؟ إلى الله طبعاً، فهو مالك الملك في ذلك اليوم، فيذهبون إليه ويتحاجون عنده لإخوانهم الذين سقطوا في النار، فيستجيب الله لهم ويختار منهم رجال لأعظم مهمة إنسانية.هؤلاء الرجال المختارون هم أصحاب الأعراف.فمنهم الأنبياء ومنهم الشهداء ومنهم العلماء، فهم رجال كما قال الله عز وجل ونسأل الله أن يجعلنا وإياك عزيزي القارئ منهم.
يذهب أصحاب الأعراف من ديارهم في الجنة إلى حتى ينتهوا إلى مدخل القنطرة و باب السور مغلق ومن ورائه إخوانهم المؤمنين محبوسين. فيخاطب أصحاب الأعراف أصحاب النار كما ذكرت الآيات. ثم يفتح السور بابه فيأمرون أصحاب الجنة المحبوسين بالمرور سريعاً عبر باب السور، ويطمئنونهم بأنه لن يغلق دونهم، فيعبرون عبره إلى الجنة فيلقون في نهر الحياة عند أفواه الجنة فيخرجون منه بيضاً ويدخلون الجنة.
ويعود أصحاب الأعراف مرة أخرى إلى الجنة، ولكنهم يؤمرون بالرجوع ليشفعوا في آخرين فيعودون فيخرجونهم من النار، وهكذا تتكرر عملية العودة والإخراج مرات ومرات، فكلما يصلون إلى مدخل القنطرة لإخراج فوج منها، يفتح لهم باب السور، وكلما يعودون يوصد مرة أخرى فهذه هي مهمة باب السور.وأخيراً فعندما يخرجون كل من أمروا بإخراجهم يعودون إلى ربهم فيقولون لم نذر فيها أحداً. فيخرج رب العزة منها بنفسه كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان حتى ولو لم يعمل خيراً قط! ما عظم هذه الرحمة!.
ثم تأتي المناداة الأخيرة بين أصحاب الجنة الذين تكاملت صفوفهم واجتمع شملهم وبين أصحاب النار فينادونهم بأن يفيضوا عليهم من الماء أو مما رزقهم الله، فيجئ الرد حاسماً وسريعا بأن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا.
وفى مسك الختام الأخير يأمر الله كون الجنة بمن فيه من المؤمنين بالزحزحة والعودة إلى مكانه الطبيعي بعيداً عن النار تاركاً هؤلاء الكفرة في النار والعذاب إلى الأبد.
سؤال صعب؟:
هنا نسال أنفسنا سؤالا قد يخطر ببال كل قارئ، وهو، ماهي المدة الزمنية التي سيمكثها أصحاب الجنة المحبوسين من الجهنميين في النار قبل انقاذهم؟ العلم يجيب على السؤال، فقد سبق أن ذكرنا أن من خصائص الثقوب الدودية أنها تختصر الزمن والمسافات بين الأمكنة المتباعدة، وذكرنا حال زوجتك المسافرة عبر ثقب دودي، فعند عودتها من رحلتها، والتي لم تستغرق اكثر من اثني عشرة ساعة، عادت ووجدت أن زوجها زاد عمره اثنتي عشرة سنة!!. عند تطبيق هذا المفهوم، ومن خلال تدبر الآيات فالزمن الذي يمضيه أصحاب الجنة في تفقد ذويهم وأهلهم المفقودين لن يكون طويلا (زمن الزوجة)، ولكنه غير الزمن الذي يقضيه هؤلاء المفقودين في النار (زمن الزوج). فزمن الجنة يختلف نسبيا عن زمن النار فالأخير يبطئ!!. بمعنى آخر، فقد تساوي الدقيقة في الجنة عشرات السنين في النار! أو أقل أو اكثر! والله اعلم. لذلك قال الله (وعلى الأعراف) ولو تعدى أصحاب الأعراف مخل القنطرة، لدخلوا زمنا آخرا، ولربما وجدوا نسخا أخرى من أنفسهم في القنطرة تستعد لدخول الجنة! والله اعلم.
آخر المشاهد واكتمال تأويل القرآن:
اذا علمت عزيزي القارئ أن قصة أصحاب الأعراف تمثل آخر مشاهد يوم القيامة وتحقق الوعد الالهي للرسل وللبشرية كافة فان قوله تعالى:
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (53)
تمثل اكتمال تأويل القرآن وتطبيقه، إذ التاويل في اللغة يعني إنزال المثال أو النظرية منزلة الواقع.وقد بدأ تأويل آيات القرآن منذ لحظة نزوله، وظل التاويل قائما طوال سني الدنيا، والآية السابقة تمثل ختام تاويل القرآن وتطبيقه عمليا.
وبهذا السرد فقد استطعنا وبتوفيق من الله عز وجل إثبات وجود الجسور أو الثقوب الدودية من القرآن. فما من علم جاءنا به هؤلاء العلماء إلا وكان لهذا القرآن السبق فيه وقد صدق الله العظيم حين قال: ( ({ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة: 19]. إن هذا الكتاب كما قال عنه سيد الخلق (ص) لا تنقضي عجائبه أبداً ولا يخلق من كثرة الرد ولا تشبع منه العلماء. فعودوا لكتاب الله أيها الناس ولا تكونوا ممن قال فيهم الله عز وجل يوم القيامة ({وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } والله أعلم.