في سنة 1958 ، قام أحد المهندسين من تكساس يدعى Jack Kilby بإختراع أول دارة مدمجة بطول 11 ميليمتر من الجرمانيوم ( من المواد النصف ناقلة أي أنها تحوي 4 إلكترونات في المدار الخارجي و يوجد أيضا الكربون و السيليكون ) . و لأن هذه الدارة تحتوي على ترانزيستور واحد فيمكنها معالجة واحد “بت” من البيانات إما 0 أو 1 وذلك وفقا لإعدادات الترانزيستور .
و منذ ذلك الحين ( و بنسق ثابت ) عمل المهندسون على مضاعفة أعداد الترانزيستورات في الدارات المدمجة كل عامين وذلك عن طريق خفض وتقليص حجم الترانزستورات بإنتظام .
أما اليوم و بعد عشرات التعديلات و الإضافات أصبح حجم الترانزيستور صغيرا جدا حيث تحتوي أي دارة نمودجية للجاسوب اليوم على 9 مليون ترانزيستور في الميليمتر المربع . كلما زادت أعداد الترانزيستور كلما زادت كمية البيانات التي يعالجها الحاسوب في وحدة الزمن . وتعرف عملية مضاعفة الترانزيستورات في المعالجات بإسم Moore’s law نسبة إلى المهندس Gordon Moore .
الوحدانية : (singularity)
يجعل قانون مور الحواسيب التي صنعت في السنوات القليلة الماضية منتهية الصلاحية تقريبا و سيجعل الحواسيب المصنوعة في السنوات القليلة القادمة أكثر تطورا و فاعلية من حواسيب اليوم و لكن مع التطور المستمر للمعالجات يطرح الكثيرون هذا السؤال : هل سيصبح الحاسوب أكثر ذكاءا من الإنسان ؟
يظن العديد من العلماء أن التطور السريع للحواسيب سيؤدي حتما في وقت من الأوقات إلى بلوغها مرتبة تعادل مرتبة الإنسان في الذكاء و تسمى هذه الحادثة بإسم “The singularity” أي الوحدانية و حسب البعض فإن هذا الوقت قريب جدا .
يتوقع الفيزيائي Ray Kurzweil أن يتساوى البشر و و الحاسوب مع بعضهما البعض خلال عقدين من الزمن و صرح لTime Magazine العام الماضي أن المهندسين سيتمكنون من عكس تقنيات الدماغ البشري بحلول 2020 و بنهاية ذلك العقد سيتمكن الحاسوب من إكتساب ذكاء يعادل ذكاء الإنسان .
و إذا إستمرت عملية مضاعفة أعداد الترانزيستورات كل عامين مستقبلا ” فبحلول 2030 فإن جميع التقنيات التي نستعملها ستكون صغيرة جدا لدرجة أننا نستطيع وضع جميع تقنيات الدماغ في حجم يعادل حجم الدماغ أيضا ” كما يقول Peter Denning و هو بروفيسور في علوم الحاسوب و يعتقد المستقبليون ( إن صح التعبير ) أن هذا ما يحتاجه الحاسوب حتى يستطيع التفكير من تلقاء نفسه “.
ما سيحدث بعدها غير متوقع أبدا و قد كان هذا الموضوع – و لازال – بالذات موضع تكهنات منذ فجر الحوسبة .
” ما إن تبدأ الألة بالتفكير تلقائيا حتى تستطيع في وقت قصير أن تتفوق على قدراتنا الضعيفة ” كما صرح Alan Turing في 1951 خلال محاضرة ألقاها في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة . ” في مرحلة ما يجب علينا أن نتوقع أن يؤول التحكم إلى الألات ” . و يفترض عالم الرياضيات الإنجليزي I.J. Good أن الألات الخارقة الذكاء ما إن يتم صنعها حتى تكون قادرة على صنع ألات أخرى أكثر تطورا . ” سيكون هناك إنفجار في الذكاء و سيصبح الذكاء البشري قد عفى عليه الزمن و سيكون الألة الخارقة الذكاء أخر إختراعات الإنسان “.
هل يمكن للألة أن تكتسب دماغا مثل الإنسان ؟ :
و لكن ليس الجميع يؤمن بهذه النظرية المستقبلية أو يتوقع بلوغها ، فالكثير من علماء الدماغ يعتقدون أن الدماغ البشري معقد جدا حتى و إن صنعنا حاسوبا يحاكي الدماغ فلن نستطيع أن نجزم أنه يطابق الدماغ البشري تماما ” فبدون المدخلات الحسية من العالم الخارجي، لا يمكن أن تصبح أجهزة الكمبيوتر أبدا ذاتية التفكير أو التصرف.
و يتوقع أخرون أن قانون Moore سيبدأ بالإنحلال قريبا هذا إذا لم يبدأ حاليا . فالمهندسون لا يستطيعون أن يصغروا حجم الترانزيستورات أكثر بكثير مما لديهم اليوم ” عندما يكون هناك بضعة ذرات في الترانزيستور الواحد فلن تضمن أبدا أنها ستعمل كما يفترض بها أن تعمل ” كما قال Denning . على المستوى المجهري تحدث أشياء غريبة و غير متوقعة و لن تستطيع الترانزيستورات الحفاظ على حالاتها الممثلة ب 0 أو 1 و لكنها ستعمل بطريقة غير متوقعة بين الصفر و الواحد ما يجعل تخزين المعلومات غير موثوق به. و من العوامل التي يتحجج بها هؤلاء هي أن الترانزيستور يطلق الحرارة عندما تتغير حالته ( من الصفر الى الواحد أو العكس ) و عندما تكدس عددا كبيرا من الترانزيستورات ( مهما كان حجمها ) في مساحة صغيرة من السيليكون فتذوب الرقاقة من شدة الحرارة .
لهذه الأسباب يقول بعض العلماء أن قوة الحاسوب تقترب من طاقتها القصوى ” إننا نرى فعلا تناقصا في قانون Moore ” كما قال العالم الفيزيائي Michio Kaku .
و لكن البروفيسور في الرياضيات Doyne Farmer في جامعة أوكسفورد و الذي قام بدراسة تطور التكنولوجيا يقول ” هناك إحتمال ضعيف جدا لنهاية قانون Moore و أنا مستعد للمراهنة على عدم وجود بيانات كافية تجعلنا نعتقد بإنخفاض تطبيق قانون Moore ” و يقول أن الحواسيب مستمرة في التطور بقوة أكثر .
الحد النهائي :
إذا إستمر قانون Moore وإستمر تطور الحواسيب بهذه الوتيرة السريعة ، هل هنالك نقطة لا يستطيع هذا التطور أن يتجاوزها و يكون مجبرا على التوقف ؟
الفيزيائيان Lawrence Krauss و Glenn Starkman يقولان ” نعم ” . في سنة 2005 قام الفيزيائيان ببعض الحسابات وتوصلا إلى أن قانون Moore سيستمر حتى تنفذ المادة و الطاقة في الكون التي يستعملها كبيانات في داراته المدمجة و بذلك لن تستطيع الحواسيب أن تتطور أكثر لأنها لن تجد المادة الكافية لمضاعفة كمية البيانات المعالجة كل عامين .
إذا إستمر قانون Moore كما هو حاليا فمتى ستتوقف الحواسيب عن التطور ؟ يقول الفيزيائيان أن المادة اللازمة للتطور سوف تنفذ بعد 600 سنة تقريبا .
شخصيا ، يعتقد Starkman أن قانون Moore سوف ينكسر بوقت طويل قبل أن تلتهم الحواسيب الكون ، و يعتقد أيضا أن الحواسيب سوف تتوقف عن التطور خلال 30 سنة القادمة . و كمحصلة لا شئ يثبت ما سيحدث مستقبلا ، قد تبلغ الحواسيب ما يدعى بالوحدانية “singularity” ( و هي النقطة التي يصبح الحاسوب فيها واعيا ) و قد لا تبلغ هذه المرحلة .