يعرّف بروس جويس و إم ويل (Bruce Joyce & M. Weil) نموذج التعليم (Teaching Model) بأنه الخطة أو النمط الذي يمكن استخدامه في تشكيل المناهج ، وتصميم المواد التعليمية ، ولتوجيه التدريس في غرفة الصف وأماكن أخرى. ولهذا فهو يعطي النموذج مفهوما واسعا يضم تطوير المنهج والمادة التعليمية وكذا طرائق التدريس. وتعّرف سوزان إس اليس (Susan S. Ellis ) نماذج التعليم بأنها استراتيجيات مبنية على نظريات التربويين وعلماء النفس والفلاسفة وغيرهم ، الذين يبحثون في كيف يتعلم الفرد. ويحتوي النموذج على مبادئ أو أسس ، وسلسلة من الخطوات (أفعال وسلوك) التي ينبغي أن يقوم بها المعلم والمتعلم ، إضافة إلى وصف للأنظمة المساندة الضرورية ، وطرائق تقويم تطور المتعلم.
ويعرف أوليفا (Oliva, 1989) نموذج التعليم بأنه مجموعة من السلوكيات المعممة التي تؤكد على استخدام إستراتيجية معينة أو مجموعة من الاستراتيجيات في التدريس. فالمحاضرة على سبيل المثال هي طريقة تدريس أو إستراتيجية تدريس ، وعندما يستخدمها المعلم كإستراتيجية تدريس سائدة فإنه يجسد بذلك نموذج التعلم اللفظي أو نموذج المحاضرة. وكذلك الحال عندما يستخدم المعلم إحدى طرائق الاكتشاف كإستراتيجية تدريس فإنه يستخدم النموذج الاكتشافي وهكذا. وبكلمة واحدة فإن النموذج هو الطريقة أو الإستراتيجية.
وتوجد نماذج تعليم عديدة ، بعضها عام وصالح للتطبيق في تدريس مختلف المواد التعليمية ، وبعضها خاص تم تطويره لتدريس مواد تعليمية بعينها . ومن أمثلة النماذج العامة النموذج الاكتشافي ، النموذج الاستقرائي ، نموذج سوخمان الاستقصائي ، نموذج كوكز الاستقصائي ، النموذج التعاوني ، نموذج المناقشة الصفية ، النموذج السلوكي ، نموذج التعليم المباشر ، نموذج العرض التوضيحي ، نموذج المحاكاة ، نموذج التعليم غير المباشر لكارل روجرز (العمل الذاتي) ، نموذج تمثيل الأدوار ، نموذج المعمل ، نموذج حل المشكلات ، وغيرها من نماذج التعليم.
وعلى الرغم من أن الاستخدام المتنوع لنماذج التعليم ضرورة يتطلبها تحقيق الأهداف المختلفة للدروس إضافة إلى الطبيعة الديناميكية لعملية التعليم والتعلم وعدم ثبات أساليبها وإجراءاتها كما سنوضح ذلك لاحقا ، يبالغ عدد من التربويين في تحديد نموذج تعليم بعينه ويعتبرونه أفضل نموذج تعليم في تحقيق التعلم الفاعل ذو المعنى. فتؤكد بعض الاتجاهات التربوية على سبيل المثال على استخدام النموذج الاكتشافي ويعتبرونه الأكثر فاعلية في التدريس ، معتمدين في ذلك على نتائج بحوث نظرية الجشتالت وبحوث علم نفس الدوافع (Motivation Psychology) ، والتي توضح بأن ما يكتشفه التلميذ بنفسه أو يتعلمه بنفسه يرسخ في ذهنه أكثر من الذي يعّلم له. وقد بين ذلك العالم الألماني المعروف فروبل(Froebel ( مؤسس رياض الأطفال - ) بقوله " لأن يجد الطفل بنفسه ومجهوده ربع الإجابة خير وأكثر قيمة عنده وأهمية من أن يستمع نصف هذه الإجابة ويفهم نصفها الآخر مصاغة بلسان غيره " .
وقد دافعا موريسون وماكلينتير (Mclntyre ، 1969)عن طريقة الاكتشاف فقالا: (يفضل اغلب الطلاب مواقف حجرة الدراسة التي يستخدم فيها المعلمون طريقة الاكتشاف ويدعمون العلاقات الديمقراطية ، أما المواقف التعليمية المتمركزة على المعلم حيث تجد فيها قدراً كبيراً من التعليم بطريقة العرض ، فإنها تنتج تعلماً أكثر عندما تكون الأعمال غير معقدة وتؤكد كسب المعلومات النمطية . أما التعليم المتمركز على الطالب حيث يهتم اهتماماً أكبر بالعمل في مجموعات وحين يشّجع التلاميذ على إيجاد حلول للمشكلات بتوجيه من المعلم ، وحين يدفعون إلى إنتاج أفكارهم الخاصة وتنميتها ، فهو غالباً مفضل عندما تكون الأعمال أكثر تعقيداً ، وعندما تكون أنواع السلوك التعاونية والبصيرة هي الأهداف الأساسية للتعلم ). ويدافع آخرون بحماس عن نموذج المناقشة الصفية كطريقة مُثلى في التدريس لانسجامها كما يرون مع خصائص عصرنا الراهن ، العصر المتميز بالديالوج وإشاعة الديمقراطية في جميع مناحي الحياة ، ولذلك فإن تربية التلاميذ لاكتساب خصائص هذا العصر تستوجب استخدام طريقة المحادثة والنقاش في التدريس بصورة واسعة.
لذلك فإن المناصرين للنموذج الاكتشافي أو النموذج الاستقصائي أو النموذج التعاوني وغيرها ، ينتقدون نموذج التعلم اللفظي أو طريقة المحاضرة مثلا باعتبارها أسلوباً تقليدياً ، ولم يعد صالحاً ولا ينسجم مع خصائص عصرنا ، ولها كثير من السلبيات التي تؤثر سلبا في تعلم التلاميذ وفي تطوير قدراتهم ، وخاصة قدرات التفكير المنطقي و التفكير الناقد ..الخ.
وفي مقابل هذه الانتقادات لطريقة المحاضرة توضح عدد من الأبحاث والدراسات العلمية على إنها طريقة تدريس مثالية لنقل واكتساب المعارف إذا ما تم تشكيلها بصورة سليمة. فهي تدفع الطالب للتفكير المتعمق وتزوده بأساليب التفكير المنطقي والمنظم إضافة إلى تأثيرها الوجداني فيه.
فمن خلال استبيان آراء التلاميذ حول أفضل طريقة تدريس بالنسبة لهم استخلص كوبس (1972 ص 202) نتيجةً مفادها بأن التلاميذ يفضلون طريقة المحاضرة عن طريقة المجموعات وطريقة المحادثة والنقاش وغيرها.
ويوضح آرنست كولسون (Coulson 1971) بان طريقة الاكتشاف تحتاج إلى وقت أطول مقارنة بطريقة المحاضرة. ففي حين يحتاج التلاميذ إلى أربع أو خمس ساعات لاكتشاف آثار الحرارة في كربونات الكالسيوم فإن تعلمهم لذلك بطريقة العرض والإلقاء لم يستغرق منهم سوى 30 دقيقة .
كما أن استنتاجات المعارضين لاستخدام طريقة المحاضرة كأسلوب تدريس تبدو متعارضة مع ما وجده (روبرت دوبين وتوماس تافيجا 1968) ، على مستوى الدراسة في الكلية . فقد فحصا نتائج 90 دراسة تقريباً قارنت بين استراتيجيات تعلم كثيرة مختلفة مهتمة بنوع خاص بتعامل المعلم والطالب عن قرب ، حيث قورنت المحاضرة العامة بالمناقشة في مجموعات صغيرة ، وخلصا إلى شيء واحد فقط هو انه لا توجد فروق تذكر بين النوعين من حيث أثرهما على تعلم الطالب.
وقد لا تكفينا عدد من المجلدات إذا ما أردنا الخوض في تفاصيل هذا النقاش حول فاعلية هذه الطريقة أو تلك من طرائق التدريس. ولذلك سنكتفي بالأمثلة السابقة التي استعرضناها ، فإنها من وجهة نظرنا تكفي للتعريف بوجود تيار فكري في التربية يحاول جاهداً التأكيد على أهمية وفاعلية طريقة تدريس بعينها دون الأخرى. وإذا كان لنا من تعليق حول الأفكار المختلفة التي عبر عنها هذا الاتجاه التربوي أو ذاك حول فاعلية طريقة تدريس بعينها دون الأخرى ، هو أن هذا النوع من النقاش الأكاديمي ليس من شأنه سوى زيادة الهوة بين النظرية والتطبيق ، بين نتائج البحث التربوي وواقع حال عملية التعليم والتعلم في المدرسة. فعوضاً عن المساعدة التي ينبغي أن يقدمها البحث التربوي لتبصير المعلمين بالأساليب والإجراءات التدريسية المساعدة في تطوير فاعلية طرائق التدريس المختلفة ، وتعريفهم بالشروط أو الظروف الواجب توفرها لاستخدام كل منها ، تاهوا في نقاش نظري برّاق على الورق محدود الفعل في المدرسة " وأصيب المعلم بالإحباط في محاولته التعرف على ما قد يكون طريقة مبشرة بالخير ، عندما يجد وصفها وتقديرها واردين في تقارير بحوث صماء لا يفهمها " كما عبَّر عن ذلك ديرك رونتري (1984 ص 114) . ولذلك فبعض المعلمين يحلون المعادلة بقفل عيونهم ، وسد آذانهم ، بحيث لا يرون ولا يسمعون أي فكر جديد في التربية ، ويتمسكون بالطرائق القديمة التي تعلموا بها ، ولا يستخدمون إلا الطريقة التي يحسون بالأمن في ظلها وربما تكون هي الكلام والطباشير . ويوضح بوتهوف و فولف بهذا الصدد (1974ص171) بأنه (حيثما يتم تثبيت أو تأكيد طرائق ومواقف أساسية ويتم تعميمها على أنها صالحة فأنه تنشأ مدارس ينتشر فيما بينها غالباً وبطبيعة الحال خلاف حاد حول الطرائق ).
· فلماذا هذا الغلو في فاعلية طريقة تدريس بعينها في تحقيق أهداف التعلم ؟
· وهل ينبغي على المعلم أن يستخدم نموذجاً واحد في التدريس ؟
نظريات التعلم وعلاقتها بنماذج التعليم :
أوضح المفكر التربوي اليمني سعيد عبد الخير النوبان في تقديمه لهذا الكتاب بأنه (تبذر النظرية التربوية حين ينشأ داخل المجتمع وعيٌ ذاتي بأهمية تعليم صغاره . وعندما تسير الأمور سيراً طبيعياً يتوقف التجريب العشوائي في طرائق التدريس ، ونهتدي بعدئذ في خطواتها بنظرية ثابتة). وأضاف إلى أن " نوعية النظرية التدريسية محكومة بالفترة التاريخية التي سادت فيها ، وبنوع التعليم السائد في تلك الحقبة " .
على هذا الأساس فإن تأكيد هذا الاتجاه التربوي أو ذاك على فاعلية طريقة تدريس بعينها يجسد في حقيقة الأمر طبيعة الفلسفة التربوية التي ينتمي إليها. وقد تعرفتم من خلال دراستكم لأصول التربية على عدد من هذه الفلسفات وكيف شرحت وفسّرت ما الذي ينبغي أن يتعلمه التلاميذ في المدرسة ولماذا وكيف ؟ وقد ازدادت حدة الاختلاف بين التربويين حول فاعلية هذه الطريقة أو تلك أو هذا النموذج التدريسي أو ذاك في عصرنا الراهن نتيجة للتطورات الكبيرة التي شهدها البحث التربوي وخصوصاً التطور الكبير والمتسارع في أبحاث التعلم. فنتيجة للانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها نظرية الملكات العقلية التي كانت سائدة لفترة طويلة من الزمن كأساس لبناء المناهج والتدريس ، كان لابد من البحث عن نظرية أو نظريات تعلم بديلة تترجم الفلسفة التربوية للمجتمع وللتعاطي مع المتطلبات الجديدة التي فرضتها التطورات العلمية والتكنولوجية في مختلف مجالات الحياة ومنها التربية والتعليم. ومن التطورات الهامة التي شهدها البحث التربوي ظهور نظريات جديدة في علم النفس التربوي حاولت تفسير حدوث التعلم بطريقة حديثة ومغايرة لنظرية الملكات العقلية ، وأسهمت بلا شك في تطوير أسس جديدة لبناء المناهج وتصميم التدريس وتنفيذه. وقبل تقديم التفسيرات الضرورية التي تدعم ذلك ، فإنه من المفيد إعطاؤكم ملخصا مركزا عن أهم نظريات التعلم وكيف فسرت حدوث التعلم الإنساني، التي سبق لكم دراستها في علم النفس التربوي ، إضافة إلى أهم نماذج التدريس التي تم تطويرها كتطبيقات تربوية عليها. ويمكنكم العودة إلى المراجع الخاصة بعلم النفس التربوي لمزيد من التفاصيل عن هذه النظريات.
يمكن القول بوجود مدخلين أساسيين في النظريات النفسية التي تم بالاستناد إليهما تطوير نماذج التدريس وهما: نظريات التعلم السلوكية ( Behavioral Theories )
ونظريات التعلم المعرفية (Cognitive Theories) ، وسنحاول بصورة أساسية التعريف بنموذج اسكنر ممثلا للنظرية السلوكية ونماذج بياجيه ، برونر وأوزبل كممثلين للنظرية المعرفية إضافة إلى نموذج جانيه التوفيقي بين النظريتين.
مزيد من المعلومات عن نماذج التدريس
نموذج أوزبل | نموذج جانيه | نموذج برونر | نموذج بياجيه | نموذج اسكنر |
مقارنة بين النظريات السلوكية والبنائية